في يوم الأربعاء الماضي صعدت الروح الطاهرة للمغفور له قاسم بن أحمد فخرو الى رحاب الجليل
الأعلى . وفقدت البحرين بذلك رجل من خيرة رجالاتها وصوت من أعلى أصواتها ورائد من أجسر
روادها . وفقد القطاع الإقتصادي بالذات واحد من أصلب أعمدته وأنشطة فعالياته. وغاب عن المحيط
الثقافي والإجتماعي والعمل الخيري والتطوعي علم من ألمع أعلامه وكغيري من أبناء هذا البلد الطيب
وهذه الأسرة الواحدة وممن تعرفوا على المرحوم وعرفوه عن قرب أحسست وتألمت لفداحة الخسارة
ومرارة الفراق . فقد ربطتني به صلة وثيقة وعلاقة وطيدة حميمة مبنية على المودة التقدير والإحترام .
علاقة قد تكون فريدة من نوعها جمعت بين خصائص علاقة الإبن بأبيه والأصغر بالأكبر والتلميذ
بأستاذه والزميل والصديق بزميله وصديقه وقد تعززت وترسخت أسس تلك العلاقة بشكل خاص مع
بداية الثمانينات عندما أنضممت الى مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين كأحد أعضائه . وقتها
كان المرحوم قد قطع شوطا طويلا في رحلة البذل ومسيرة العطاء في هذا المجلس وغيره من المجالس
والمؤسسات العاملة في ميادين الإقتصاد والسياسة والأنشطة الإجتماعية والثقافية والخيرية . وأتاحت
لي هذه العلاقة فرصة الإلتقاء والإحتكاك به بشكل منتظم بل شبه يومي عندما أنتخب المرحوم رئيسا
لمجلس إدارة الغرفة في أبريل عام 1985 وسافرت معه الى العديد من العواصم والمدن وشاركت معه
في الكثير من المؤتمرات والندوات واللقاءات التي عقدت في البحرين وفي مختلف الدول العربية
والأجنبية. ولم أخف في يوم من الأيام ما أحسست ولا زلت أحس به من مشاعر الفخر والإعتزاز بتلك
الصلة وتلك العلاقة . كما لا يمكنني أن أنكر للحظة واحدة بأنني قد تعلمت الكثير على يديه ومن خلال
مرافقته ومشاركته في العديد من المهام والمسئوليات وإستفدت الكثير مما كان المرحوم يقتينه ويملكه
من رصيد ثري وكنز متخم بالخبرة والدراية تراكمت لديه وأكتسبها بدوره خلال تاريخ طويل من
الممارسة الدائمة والمتميزة والأداء البارز الدؤوب على مختلف الأصعدة والأوجه
لقد كان رحمه الله صادقا ومخلصا في علاقاته وروابطه بالآخرين وكانت فيه خصائص طيبة وخصال حميدة قلما تجتمع في شخص واحد في نفس الوقت خصوصا في هذه الأيام الهلامية التي غلب الزيف فيها الصفاء وأختلف الجوهر عن المظهر والقلب عن القالب . فقد ظل رحمه الله دائما صافي النية نقي السريرة صادقا في القول مخلصا في العمل متفانن في أداء المسئولية مستجيبا لنداء الواجب متدفق العطاء. محبا لوطنه . ملتزما بوطنيته . متمسكا بدينه مؤمنا بربه وقضائه وقدره
و خلال الحلقات الكثيرة و العديدة التي شكلت سلسلة العلاقة التي ربطتني بالمرحوم كانت هناك الكثير من المواقف التي زادتني تدبرا وإعجابا وفخرا و اعتزازا به و بتلك العلاقة. و كانت كلها مواقف ارتكزت على أسس الأتفاق والتعاون و التفهم و تطابق الأراء الا موقفا واحدا فقط أختلف عنها جميعا و لا يزال عالقا في ذاكرتي وقلبي ووجداني و هو عندما إختلفت معه حول أسلوب طرح المواضيع التي كان سيناقشها وفد غرفة تجارة وصناعة البحرين مع وفد إتحاد الغرف التجارية التركية في أنقرة. و كان وفد غرفة البحرين في زيارة لتركيا برئاسة المرحوم في شهر أكتوبر من عام 1986 وأثناء إجتماع الوفدين ونتيجة لذلك الإختلاف فقدت أنا زمام السيطرة على أعصابي ولم أجد أمامي سوى الإنسحاب من الإجتماع وقطع الزيارة والعودة الى البحرين وبعد أيام قلائل وفور عودة أبو سمير الى الوطن بادر بالإتصال بي هاتفيا مستفسرا عن حالي معبرا عن مشاعرا صافية وصادقة ومازجا العتاب واللوم بالتودد والإعتذار . وحيال هذا الموقف وجدت نفسي أسيرا لخليط غريب من أحاسيس الأسف والإمتعاض لما حصل والحب والتقدير والإكبار لذلك الرجل. وأحسست بأنني أصبحت ضعيفا واهنا أمام شموخه وإنسانيته وقررت ألا أضع نفسي مرة أخرى في مثل هذه المواقف والحالات . وهرعت فورا الى مكتبه وعانقته بحرارة لم أشعر بمثل دفئها من قبل أو من بعد وقبلته بعمق لم أحس بمثله حتى الآن وها قد رحل ذلك الشهم مخلفا وراءه مناقب عديدة وذكرى عطرة ووطنا لن ينساه وقلوبا ستبقى تحبه وتقدره وتدعوا له بالرحمة والمغفرة والجزاء الأجزل والأوفر من رب العالمين وتواسي آل فخرو الكرام في هذا المصاب الجلل وهذه الخسارة الفادحة |