عندما قدمت الى البحرين منذ حوالي الثلاثين عاما كان أول من قابلت المرحوم أحمد بن يوسف فخرو
التاجر المعروف والرئيس السابق لغرفة التجارة . وقد توطدت العلاقة بيننا لدرجة أننا كنا نقضي
ساعات عديدة في نهاية الأسبوع في جناحه الخاص في بيته الذي تكدست فيه الكتب . على الأرفف
وعلى المناضد وحتى على الأرض . فبالإضافة الى أعماله التجارية المتشعبة والمتعددة كان يجد الوقت
للمطالعة والتأمل وقد كنا نتحاور ونتجادل في مواضيع شتى دون حدود أو قيود ألا اللهفة الى الوصول
الى الحقيقة .. وللحق أقول . أن تلك الجلسات بمثابة حلقة دراسية تتلمذت فيها على يد المرحوم أحمد
وأخذت عنه التفكير الفطري الواقعي البراغماتي المبني على الخبرة والتأمل الفردي دون مساعدة أستاذ
أو مدرس يعكس المنهج الأكاديمي الذي يعطيك الحقائق جاهزة مهضومة قام بطحنها العلماء
والمفكرون .. والفرق شاسع بين المنهجين كذلك لمست في المرحوم أحمد خلاف حبه الشغوف
للمطالعة وتثقيف نفسه إنتماءه الأصيل لبلده. البحرين الغالية. ولوطنه العربي الكبير . وقد ترك هذا
الإنتماء بفروعه المتعددة بصمات لا تمحى من تفكير وسلوك المرحوم أحمد وحتى في تعامله مع
معارفه وأصدقائه الكثر
وبعد فترة بسيطة تعرفت على قاسم . الإبن الأكبر لأحمد بن يوسف فخرو . ورأيته مثالا للإنسان الذي يعطي دون حدود لبلده ولقومه ولوطنه عطاء متعددا تراوح ما بين حدود إنشاء المشاريع الإقتصادية المشتركة أو المحلية أو توجيه شباب البحرين نحو الإستفادة من العلم والتدريب . ولم أستغرب ما رأيت فإن البيئة التي تربى فيها قاسم. والتي لمستها من خلال أبيه . جعلت منه من طلائع المثقفين والخريجين الذين أحسوا بمسئوليتهم الوطنية والإجتماعية بوعي فائق مما حملهم على المساهمة بفكرهم ووقتهم وجهودهم في تعلية شأن البحرين في شتى الحقول والمجالات ليس أقلها المجال الإجتماعي والثقافي والإقتصادي. وليس المجال هنا لتعداد كافة مناقب الفقيد الغالي الذي إختاره ربه الى جواره يوم الأربعاء 26 \ 4 \ 1995 إذ هي عديدة تحتاج الى كم كبير من الكلمات كما وليس الهدف هنا تعداد إنجازات ومساهمات الفقيد الراحل . على كثرتها وعلى رغبتنا في ذكرها وتناولها . إلا أن ضيق المجال يضطرنا الى التركيز على إنجازين إثنين خبرناهما عن الفقيد. أولا : كانت له رغبة عارمة وداعية في المشاركة في التنمية الإقتصادية للبحرين وكان مقتنعا أن ذلك لا يتم إلا من خلال العمل الجماعي الذي تتضافر فيه الجهود وتتوحد الموارد والخبرات . والمتتبع لإنجازات قاسم بن أحمد لابد وأن يسجل بالعرفان وللتاريخ أنه كان من أوائل من نادوا بتأسيس الشركات . في الوقت الذي كان فيه العمل الفردي طاغيا على الساحة التجارية . فقاسم مع آخرين كان وراء تأسيس بنك البحرين والكويت . شركة التأمين الأهلية . البنك الأهلي التجاري وهذه المؤسسات تعتبر من الركائز الأقتصادية لإقتصاد البحرين . كما تجاوزت رغبته تأسيس الشركات المحلية الى المشاريع المشتركة فقد كان وراء تأسيس شركة الخليج للإستثمارات المصرفية حيث ساهم فيها القطاع الخاص ب 90% من رأس المال. وكان غرض الشركة توطين رأسمالها العربي في أرض الكنانة . كما كان من المخططين لإنشاء شركة الإستثمار الزراعي التي أنبثقت عن مؤتمر المستثمرين العرب في الدار البيضاء عام 1984. وللأسف لم تصل تلك الشركة الى الطموحات التي إنتظرت منها نظرا لوجود تكتلات ونظرات قطرية ضيقة أنذاك ثانيا : إنجازه الثاني كان في المشاركة مع آخرين في إنشاء إتحاد غرف إمارات الخليج العربي سنة 1969 وقد عقدت الإجتماعات التمهيدية في البحرين وضمت البحرين وقطر وإمارات الساحل السبع (قبل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة) وقد شارك كاتب السطور في تلك الإجتماعات كما كانت قناعة الفقيد بضرورة أن يلعب القطاع الخاص دوره في المساهمة في رفعة الإقتصاد وتقدمه حافزا له على إختيار غرفة تجارة وصناعة البحرين كساحة يمارس من خلالها نشاطه ذلك بحيث تدرج فيها كعضو مجلس إدارة لمدة 21 سنة إختتمها برئاسة الغرفة لفترة 4 سنوات إنتهت في يونيو 1989 . ولا يستطيع منصف أن ينكر الجهد الكبير الذي بذل في سبيل تطوير الغرفة وألياتها وضبط علاقتها مع الدولة التي أولاها الفقيد الراحل جل نشاطه وتركيزه . وقد كان من أهم إنجازاته في هذا الصدد مؤلفه غرفة تجارة وصناعة البحرين - بين إنجازات الماضي وطموحات المستقبل عام 989 والتي تعتبر وثيقة تاريخية هامة لتاريخ الغرفة وحبذا لو قامت الغرفة بنشرها تكريما للفقيد الراحل
هذا غيض من فيض . وبهذا السجل الحافل من الإنجازات يرقد أبو سمير راضيا قانعا إذ أنه قد أدى الأمانة وحمل الرسالة وكان رحمه الله من الذين صدقوا فيما عاهدوا الله عليه بصدقهم مع أنفسهم وأيمانهم بحق أبناء وطنهم عليهم في التضحية والبذل والعطاء. خسارتنا بأبي سمير فادحة ولكن خسارتي الشخصية أفدح إذ سافتقد الأخ والصديق الذي كان يشاركني دوما الهم الإقتصادي العربي. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه وإنا لله وإنا إليه راجعون
|