يجلس صاحبنا منتظرا دوره في إستلام الجائزة التقديرية من المؤسسة التي تحتفل بمرور خمسين سنة على تأسيسها من يد أمير بلاده وراعي نهضتها والذي شاء أن يشمل الإحتفال برعايته رمزا لتقديره وتقدير شعب البحرين وحكومته لهذه المؤسسة ومنتسبيها لما قدمته لمجتمعها ووطنها في الماضي وتأكيدا لما يتوجب عليها ويخطط لها من دور أساسي في الحاضر والمستقبل في عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية . ويلحظ هذا التواجد المكثف من القيادة السياسية العليا والمسؤولين في الدولة وممثلوا كافة القطاعات في البلاد ومشاركة الغرف الخليجية ممثلة برؤسائها والأمين العام لإتحادها ، والغرف العربية ممثلة بالأمين العام لإتحادها ، أضافة للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ، وما لكل هذا وذاك من رموز ودلالات ويغمض عينيه لحظات وهو يساءل نفسه بين الغبطة والحيرة . فيما إذا كان في ما عمله أو قدمه لمجتمعه ووطنه شيئا يستحق التكريم .. بل نراه يذهب إلى ذلك في تساؤله فيما إذا كانت هذه المؤسسة نفسها التي تحتفل بعيدها الخمسين وتكريمه مع غيره من رؤسائها الذي تعاقبوا عليها .. قد أنجزت لمنتسبيها ومجتمعها ووطنهاا وأمتها ما يستحق الذكر أو تفخر به لتقييم هذا الإحتفال أصلا !! ويسرح صاحبنا بفكره وخواطره عاكسا مسيرة الزمن عبر السنين الخوالي .. فيتذكر ما كان يراه ويسمعه في منزل أهله بمدينة المحرق والتي كانت لا تزال تعيش أمجادها بالرغم من إنتقال مركز العاصمة إلى المنامة ، في الثلاثينيات مع أواخر عصر الغوص واللؤللؤ والأزمة الإقتصادية الطاحنة وبداية عصر النفط ... وبداية تعليمه في الكتاب "المطوع" ثم الهداية الخليفية والإبتدائية في جامعة بيروت الأمريكية . ولا يعرف لهذا الإبتعاث إلى بيروت سوى أن والده رحمه الله أراد أن يعوض فيه ويهييء له ما إفتقده هو نفسه في طفولته ، ولكن هذا لا يستمر فيحول قيام الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 من العودة إلى بيروت ويستكمل دراسته في الغربية الجعفرية في المنامة ، ثم مع الدفعة الأولى من طلبة "كلية المنامة" الثانوية عند إفتتاحها عام 1941 - ويتذكر ما كان يتعامل فيه أهله من تجارة اللؤللؤ في البداية ثم السيارات والأخشاب والتمور والأطعمة والراديوات التي بدأت تصل إلى البحرين والسفن الشراعية التي يملكونها وتنقل البضائع عبر الخليج من العراق إلى الهند إلى شرق أفريقيا . وما كان يلحظ على والده من ولع وإهتمام بالقراءة والمطالعة والكتب المتعددة ومجلات الجرائد اليومية والمجلات القديمة والجديدة المتوفرة بكثرة في مجلسهم فتشده إليها برباط يستمر معه طوال حياته . ويقص عليه والده ذكرياته عن العشرينات والثلاثينيات وما قبلها وتأسيس الهداية الخليفية والنادي الأدبي ونادي الأخاء والمنتدى الإسلامي والمجلس العرفي ومجالس التجارة ولسالفة الغوص ومجالس البلديات في المحرق والمنامة وغيرها الكثير من تاريخ البحرين الإقتصادي والإجتماعي والتربوي والذي لم ينل حقه من البحث والدراسة العميقة الموضوعية حتى الآن ، وما كان له ورفاقه ووالدهم من قبلهم في كل هذا وذاك من نشاطات لما يرونه في ذلك من واجب وإلتزام عليهم تجاه وطنهم ومجتمعهم ، ويرسخ مفهوم العمل التطوعي في ذهنه وإلى الأبد !! ومع إنفراج الأوضاع العالمية ، يعود صاحبنا في سبتمبر 1943 إلى الجامعة الأمريكية وزملاء دراسته في البحرين وبيروت والذين أرتبط معهم برباط الأخوة والمحبة الدائمة والمستمرة إلى هذا اليوم ويحتسب عند الله من إختيارهم سبحانه وتعالى إلى جواره منهم داعيا لهم بالرحمة والمغفرة . ثم يتذكر مجريات الأوضاع العامة في البحرين قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها ويذكر بيروت نوفمبر 1943 بعد أسابيع قليلة من وصوله من إعلان الميثاق الوطني بين طوائف لبنان وفئاته والمطالبة بالإستقلال والإعتقالات وأحزاب المدارس ثم إعلان الإستقلال في 22 نوفمبر 1943. ويخطر بباله ما يجري الآن في البلد الذي أحبه وعاش فيه تسع سنوات من شبابه فيدمي قلبه . ويشد صاحبنا الدور الذي لعبه أساتذة وطلبة الجامعة وخريجيها في هذه الأحداث آنذاك. كما يبهره ويرسخ في ذهنه ذلك الشعار الذي إتخذته الجامعة الأمريكية ليرمز إلى الهدف الأسمى وراء كل ما سيتلقاه طلابها من دراسة وتعليم وهو بذل الجهد والعمل لتحقيق حياة أفضل ومزيد من الرفاهية للآخرين
ويربط بين هذا الشعار وما سمعه من والده عن العمل التطوعي ويلفت نظره الجمعيات الطلابية والنشاط الفكري والإجتماعي والسياسي الذي نمارسه في الحرم الجامعي بحرية ويسر . والذي هو جزء من النظام الجامعي التعليمي الأمريكي نفسه الذي تنتسب إليه هذه المؤسسة التي تأسست عام 1866 بغرض تبشيري مسيحي حيث كان إسمها "الكلية السورية الإنجيلية " والذي ظل كذلك لغاية 1924 . وكانت الدراسة فيها في أغلبها باللغة العربية بما في ذلك العلوم والطب في أوائل السبعينيات من القرن التاسع عشر . وهو نفس ما كان عليه الحال في كليات الطب والهندسة والعلوم العليا في مصر التي كان نظامها التعليمي من التطور بحيث تقصدها البعثات الأجنبية للإستفادة والإقتباس منه . ومن هذه البعثات "البعثة اليابانية" في أوائل "عصر الميجي" في 1871 والمفارقة المأساة بعد أربعين سنة عام 1910 لنجد أن اليابان حققت التعليم الإبتدائي الشامل 100% لشعبها وباللغة اليابانية لجميع درجات التعليم في حين تصاعدت نسبة الأمية في مصر إلى 93% من عدد السكان وأصبحت الدراسة في معاهدها العليا بالإنجليزية والفرنسية . ويقارن ذلك بما يجري من عبث وجدل بيزنطي خلال الخمسين سنة الماضية في جامعاتنا العربية حول التعريب وقدرة لغة القرآن العربية في إحتواء كل هذا ويشده ما كانت تمارسه تلك الجمعيات والمنتديات الطلابية من خلال لجان ومجالس إدارة تتنافس عليها كافة الأنظمة والتيارات والمعتقدات الفكرية والسياسية والإجتماعية عبر قنوات منظمة لا تفسد أو تغير من علاقة الطلبة الشخصية فيما بينهم ، والذين إرتبط هو نفسه فيما بعد بالعديد من الصداقات بالرغم من إختلاف الإتجاه والمبدأ ويرى في ذلك ضالته .. فيسعى مع أخوة آخرين من البحرين تواجدوا في الثانوية والجامعة عام 1945 لتأسيس جمعية خاصة بطلبة البحرين وتكون " الحلقة البحرينية " التي ينتخب لها مجلس إدارة يكون صاحبنا أمين السر فيه . وتبدأ الحلقة نشاطها في بيروت وفكر وأهداف أعضاءها في البحرين يربط بينهما حلقة وصل بين ما يتلقاه منتسبوها من دراسة وتعليم في بيروت وما يتوجب عليهم أن يقدموه لأبناء وطنهم البحرين بعد إستكمال دراستهم مع إستمرار حلقة الإرتباط بين من سيعود ومن سيبقى أو ينضم مستقبلا إليهم في جامعتهم . ونجد هذا التفكير للعمل التطوعي واضحا محددا في المواضيع التي إشتمل عليها العدد "اليتيم" الأول والأخير ، والذي قام صاحبنا بإعداده وطباعته وتوزيعه وكان مقاله الأول بعنوان "مشاكل" . ويسمع ما يردده البعض عن التأثير التبشيري والتبعية الفكرية والسياسية لطلاب وخريجي هذه الجامعة ، فلا يجد لها أثرا في الوقع أو التجربة الشخصية بالنسبة له أو لإبنه بعده بخمس وعشرين سنة . ثم يلتحق صاحبنا بالسنة الأولى بالجامعة " الفرشمن " ويتفاعل مع الأحداث الحاسمة آنذاك ويتعرف على العديد من الإتجاهات والتيارات المتصارعة في الحرم الجامعي والتي يعمل كل منها على كسب طلاب السنة الأولى على الأخص إلى صفوفها . ولكنه سرعان ما يحسم أمره بإتجاهه إلى دينه وعروبته ويبدأ فكره وإتجاهه القومي في التبلور والنضوج من خلال الندوات واللقاءات والتنظيمات والجمعيات داخل الجامعة وخارجها ومن خلال التفاعل مع الأحداث التي سادت الوطن العربي في النصف الثاني من الأربعينيات وعلى الأخص أحداث فلسطين وقيام إسرائيل ودخول الجيوش العربية وهزيمتها وما سمي بالنكبة وأثر ذلك كله على الشباب العربي بكل فئاته وإتجاهاته وعلى الأخص الشباب الفلسطيني الذي كانت الجامعة تضمم المئات منه والذي أصيب بما يشبه الصاعقة واليأس والتشرذم والضياع . ولعل التخصص الجامعي الذي إختاره صاحبنا وهو علم الإقتصاد الذي بدأ سنته الأولى في الجامعة آنذاك مستقلا عن إدارة التجارة والأعمال ، يدل على رؤيته المستقبلية آنذاك بإعتبار أن الإقتصاد هو علم المستقبل ومع أنه وجد معارضة من والده في البداية إلا أنه تمكن من إقناعه بإعتبار أن الإقتصاد جزء من التجارة وأن التجارة أساس الإقتصاد لا فرق بينهما وأنه سيعوض عن ذلك بدراسة التجارة والمحاسبة بالمراسلة وهو ما حصل فعلا . وكان النفط العربي قد بدأ يشد الأنظار ببدء التصدير بكثافة من الكويت والمملكة العربية السعودية إضافة إلى العراق ومصر ثم البحرين التي سبقتهم قبل الحرب إقتصادي وسياسي " لرسالة البكالوريوس في الإقتصاد بإعتبار أن تخصصه الفرعي كان "العلوم السياسية " والتي إستغرقت جهدا مكثفا إستمر حوالي السنتين . وفكر أن يتابع دراسته العالية بناء على توجيه أساتذته ولكن الظروف الخاصة لم تكن مؤاتية . ويتخرج صاحبنا في يونيو 1950 كواحد من أول أثنين من الخريجين الجامعيين من أبناء البحرين وكان الثاني إبن خالته ورفيق عمره الذي تخصص في الكيمياء وإستكمل دراسته فيما بعد في إسكوتلندا في الكيمياء الصناعية وإلتحق بالتعليم والجهاز الإداري الحكومي وليصبح فيما بعد أحد رواد الصناعة النفطية والألمونيوم والبتروكيماويات وقطاع الخدمات في منطقة الخليج بدون أي تحيز عاطفي في هذا الوصف . ويعود إلى البحرين ليلتحق بالعمل هو وعائلته في التجارة . ولكن سرعان ما يشده النشاط الإجتماعي من خلال فرع الحلقة البحرينية والنشاطات الإجتماعية والثقافية وغيرها من خلال الأنديةة والجمعيات الأخرى وشعار الجامعة الأمريكية وتجربته هناك في العمل التطوعي وبذل الجهد في إسعاد الآخرين وإفادتهم ويجد من والده رحمه الله وهو الذي سار على نفس هذا الدرب لأكثر من ربع قرن قبله التشجيع والرعاية والتوجيه والنصح بدون فرض أي رأي عليه لما سيتخذه من قرارات شخصية معينة إتخذها آنذاك ويساهم مع آخرين في تأسيس صندوق التعويضات التعاوني كأول شركة تأمين بحرينية للتأمين على السيارات . كما يساهم مع إخوة آخرين في تنظيم إرسال أول بعثات دراسية أهلية للجامعات المصرية والعراقية التي إستقبلتها وإحتضنتها بأعداد كبيرة وبدون مقابل مالي . ثم ينتخب عضوا بمجلس المعارف الذي لم يجتمع ولم يلغى في نفس الوقت عام 1955 . ثم تأتي حرب السويس وما تلاها وصاحبها من أحداث .. ويعرض عليه التعيين في مجلس التجارة في أوائل 1957 وهو المجلس الذي يعتبر أمتدادا لمجلس التجارة وكل سالفة الغوص والمجلس العرفي قبلهما في العشرينيات والثلاثينيات والذي كان بمثابة مجلس للخبرة والعرف والتحكيم التجاري ويرتبط بإدارة المحاكم . ولكن ظروف صاحبنا لم تكن تبيح له القبول فيعتذر ويسافر خارج البحرين للعمل فترة من الزمن ويسمع عن الغرفة التجارية مع عودته إلى البحرين بعد إتمام تعليمه من والده الذي كان قد أبتدأ يكثف إهتماماته بها من خلال عضويته في مجالس إدارتها ولجانها ونشاطاتها المختلفة . ويسمع عن أنضمام الغرفة إلى الإتحاد العام للغرف العربية عام 1953 بعد سنتين من تأسيسه كأول غرفة من خارج دول الجامعة العربية السبع آنذاك . ويتابع تفاعل الغرفة مع هذا الإرتباط الجديد والأثر الذي طبع به نشاطها وإتجاهها القومي من تبنيها لقراراته بالنسبة لتسمية الخليج العربي وتأسيس مكتب مقاطعة البضائع الإسرائيلي والذي إرتبط بالغرفة بالتنسيق مع إدارة الجمارك ووزارة المالية سنوات طويلة بعد ذلك ويتابع نشاط هذا الإتحاد من بعيد فيقرأ عن دوره الرائد في تكريس العمل الإقتصادي العربي المشترك وإتخاذه سبيلا ووسيلة للهدف القومي الأسمى في الوحدة العربية . وما نادى به من سوق عربية مشتركة قبل إتفاقية روما 1957 بالنسبة للسوق الأوروبية المشتركة بسنوات طويلة . وإذا كانت هناك مقارنة أو مفارقة بعد أكثر من ثلاثين سنة فهي لا تقل من أهمية ما نادى به أولئك الرواد الصادقين المؤمنين بحتمية الوحدة العربية والعمل العربي الإقتصادي المشترك وتكريسه لخدمة القضايا القومية العليا للأمة العربية ويعود صاحبنا إلى البحرين في أواسط الستينيات ليجد الأمور تغيرت بعض الشيء . ويشده العمل التطوعي الإجتماعي والخدمة العامة من جديد فيساهم مع أخوة آخرين في تطوير الحلقة البحرينية القديمة وتأسيس نادي الخريجين الذي إقتصرت عضويته على خريجي الجامعات العربية والأجنبية من أبناء البحرين عام 1967 . ويكون أمينا للسر لمجلس إدارته ثم نائبا للرئيس فرئيسا له عدة مرات خلال السبعينيات . وقد كرس النادي نشاطه على الجانب الإجتماعي والتربوي على الأخص وإستكمل نشاط مدارس مكافحة الأمية الذي بدأته الحلقة قبل سنوات وطوره في المدن والقرى وقام بالإتصالات المباشرة مع وزارات التربية والتعليم في الأقطار العربية وعلى الأخص الكويت ومصر والعراق . ورصد صندوقا ماليا خاصا لمساعدة الطلبة والطالبات وجمع له الأموال من المؤسسات البحرينية والأجنبية التي تبرعت للمشروع بسخاء . وقد تمكن النادي من خلال نشاطه من إرسال ومساعدة المئات من طلبة وطالبات البحرين في الجامعات وكليات التمريض لسنوات عديدة إلى أن تم تحويل المشروع إلى وزارة التربية والتعليم في السبعينيات . كما كان للنادي نشاطات ثقافية وإجتماعية أخرى في خدمة المجتمع ويتجه صاحبنا بعد عودته إلى البحرين وإستقلاله بعمله التجاري الخاص نحو غرفة تجارة البحرين التي بدأت تتصدر الأحداث ويزداد الإهتمام بها من قبل السلطات الرسمية . ويزداد عدد منتسبيها وينضم إلى عضويتها ويساهم في لجانها وعلى الأخص اللجنة التي قامت بصياغة القانون الأساسي والنظام الداخلي للغرفة عامم 1967 بناء على تكليف من مجلس إدارة الغرفة والتي قامت بمهمتها وتتم المصادقة عليه من قبل الجمعية العمومية ويصبح إسم الغرفة " غرفة تجارة وصناعة البحرين " . وينتخب صاحبنا عضوا بمجلس الإدارة ليستمر فيه أكثر من عشرين سنة تقلب فيه على العديد من المراكز القيادية إختتمها برئاسته للغرفة لفترة أربع سنوات كانت السنتين الأخيرتين أقساها وأكثرها تحديا وخاصة بالنسبة لعزوف الفعاليات الإقتصادية عن الترشيح لعضوية مجلس الإدارة . وطرح مبدأ التعيين الجزئي أو الكلي من مثل بعض هذه الفعاليات نفسها . ويجد نفسه شبه وحيد حتى في مجلس الإدارة الذي يرأسه إلا من القلة التي وقفت معه في تصديه لهذا الإتجاه . ولكنه يجد التفهم والرعاية عند من بيده القرار فيتابع النشاط والعطاء مع إخوانه حتى خلال الوقت الضائع والذي إمتد سنتين وتسعده النتيجة فتمكنه من الإلتزام بقراره الذي إتخذه قبل سنتين بعدم الترشيح لمجلس الإدارة وبإقبال أعضاء الغرفة على الترشيح والإنتخاب بشكل قياسي فاق كل التوقعات وتبدأ حقبة جديدة لهذه الغرفة في أول سنتها الحادية والخمسين ويدعو الله سبحانه وتعالى أن تكون موفقة ومحققة لطموحات وآمال منتسبيها ومجتمعها ووطنها . ويتساءل عما إذا قد حقق ما طمح له لهذه المؤسسة وغيرها فيعود بذاكرته إلى مشاركته الأولى في إجتماعات مجلس الإتحاد العام للغرف العربية وإجتماعات المنظمة الأفريقية الأسيوية الإقتصادي في القاهرة عام 1969 ثم مشاركته مع رئيس الغرفة آنذاك في حضور إجتماعات غرفة التجارة الأمريكية في واشنطن في أبريل 1971 وإنطباعاته الإيجابية وإستفادته من ذلك فيما بعد ، والجولة التي صاحبت هذه الإجتماعات في مدن الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة وترتيب من شركة كالتكس الأمريكية وشركة كايزر للألمونيوم خلال فترة تأسيس شركة ألمونيوم البحرين ألبا ثم يتذكر مساهمته وطرحه فكرة إتحاد غرف إمارات الخليج العربي عام 1969 والذي ضم البحرين وقطر وأمارات الساحل العماني السبع قبل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة . وإستمرار هذا الإتحاد محتضنا من قبل الغرفة سنوات عديدة بعد ذلك . ثم يتذكر مساهمته وتمثيله الغرفة في اللجان التي تشكلت لمقابلة بعثة الأمم المتحدة للإستقصاء حول عروبة البحرين ورغبات شعبها برئاسة السيد وينسبير ممثل الأمين العام لهيئة الأمم ، والنتيجة المتوقعة بالتأييد شبه الإجماعي وإعلان الإستقلال وإنتخابات المجلس التأسيسي الذي رشح نفسه لعضويته وفاز عن الدائرة الثالثة ثم إنتخب أمينا للسر للمجلس الذي ناقش دستور البحرين وأنهى مهمته خلال سبعة شهور . كما رشح نفسه لإنتخابات المجلس الوطني الذي تلا ذلك ولكنه لا ينجح هذه المرة لعضوية المجلس . ويفشل معه رئيس المجلس التأسيسي ونائب الرئيس لأنهم لم يفهموا اللعبة السياسية وراء كل ذلك . والغريب أن والده فرح بعدم نجاحه وبين له أبعاد اللعبة والتي حددها بثاقب بصره وتجربته الطويلة وقد أثبتت الأيام بعد ذلك صحة ما أخبره به . ويعود مكرسا جهوده للغرفة ونشاطاتها فيساهم في تأسيس مجالس إدارة بنك البحرين والكويت والتأمين الأهلية والبنك الأهلي التجاري أضافة إلى طرح فكرة وتأسيس إتحاد الغرف الخليجية في جدة عام 1976 . وأخيرا شركة الخليج للإستثمارات العربية والتي يساهم القطاع الخاص الخليجي ب 90% من رأس مالها والجانب البحريني 20% منه والتي تتخذ من مصر مقرا لها وتهدف إلى العمل على توطين رأس المال العربي في الوطن العربي . وأخيرا الشركة البحرينية التونسية للتجارة تحت التأسيس . ثم يتذكر تمثيله لمجلس إدارة الغرفة والقطاع الخاص في مجلس أمناء كلية الخليج الفنية - البوليتكنيك الصناعية فيما بعد لمدة عشر سنوات تقريبا من 1976 لغاية 1986 والذي تشارك فيه البحرين وأبوظبي وقطر وعمان وكان يرأسه وزير التربية والتعليم البحريني . ويعتز بالجهد الذي قدمه مع بعض أخوانه الآخريين في اللجنة التنفيذية لهذا المجلس على الأخص وما تمكن من إستحصاله لصندوق دعم الكلية من المؤسسات والشركات البحرينية والأجنبية تجاوز المليون دينار بحريني ساهم كثيرا في دعم ميزانية الكلية ومشاريعها ثم يأتي مشروع إنشاء جامعة البحرين بدمج الكلية الجامعية مع كلية الخليج ويتم إختيار مجلس أمناء جديد للجامعة . ويسرح بفكره متساءلا ومجيبا في نفس الوقت عن مغزى ما قدمه أو ساهم به ، وأنه قدم ما تصور أنه واجبا عليه تقديمه لبلده ومجتمعه وأمته وهو بنفس الإندفاع والحماس الذي بدأ به في ثانوية بيروت في أواسط الأربعينيات . وكيف أنه كان مؤمنا صادقا مع نفسه ومع الآخرين متخذا من الصورة المثالية التي رسمها لوالده أحمد يوسف عبدالرحمن فخرو المثل الأعلى الذي يحتذية في سيرته وتصرفاته ، غير آسف أو نادم على الفرص والمنافع المادية التي فاتته أو ضاعت منه أو على الوقت والجهد الذي بذله في كافة النشاطات التي مارسها وساهم فيها على حساب صحته وعمله الخاص وراحته وكيف كان يستمد العون من الله سبحانه وتعالى والرعاية والتقدير من القيادة الحكيمة لهذا البلد والمحبة والإعزاز من الكثيرين من أبناء هذا الشعب الكريم والذين غمروه بها في أكثر من مناسبة وعلى الأخص خلال العارض الصحي والحادث المروري خلال السنتين الأخيريين ، فيحمد الله الذي وسعت رحمته كل شيء وكان لطفه في قضائه هو الجزاء الذي وعد به سبحانه وتعالى لمن يعمل بصدق للأخرين . ثم يتذكر ما أقتبسه وتعلمه من رجالات ورواد الإقتصاد العربي من خلال الإتحاد العام للغرف العربية أو غيره من المؤسسات العربية وما لمس فيهم من إخلاص وتفان وإلتزام بالمبادىء والقيم العليا والإيمان الذي لم يتزعزع في أقسى الأوقات وأكثرها إحباطا فقد رأت أمتهم وحتمية وحدة أقاليمها وبلدانها في النهاية ما كان للأمانة العامة لهذا الإتحاد من دور في ذلك الجهد والمثابرة والعطاء المستمر بإذن الله تعالى ويتساءل إذا كان قراره بالإبتعاد عن مجلس الإدارة وعدم الترشيح هو نهاية المطاف بالنسبة لعلاقته بالغرفة . وهو يعرف الجواب مسبقا ، فها هو يتابع نشاطات المجلس واللجان ويبدي رأيه عبر الصحافة مطبقا نفس ما كان يطلب من الأخرين من الأعضاء القيام به أيام أن كان مسؤولا في مجلس إدارة الغرفة . ثم ها هو يقبل تكليف اللجنة المالية والإقتصادية للغرفة بالمشاركة في ندوة حول مسيرة الغرفة ، ويطور التكليف إلى دراسة شاملة حول مسيرة الغرفة عبر سنواتها الخمسين مع وضع تصورات مستقبلية محددة وكان جزء منها من برامج عمل مجلس الإدارة السابق التي لم يتحقق . ويربط مسيرة الغرفة بالأوضاع الإقتصادية التي سبقت تأسيسها وصاحبت مراحل مسيرتها ويحاول أن يرد بعض الدين للرجال الرواد من أبناء هذا البلد الذين قادوا المسيرة فيهدي الدراسة إليهم رمز تقدير وإجلال ووفاء . ولا يرى فيهم أكثر من رموز وأمثلة للعديدين غيرهم من رفاقهم وأخوانهم الذين شاركوهم العمل التطوعي . ويتذكر أنه هو الذي إقترح أصلا فكرة اليوبيل الخمسين والتكريم لرؤساء مجالس الإدارة قبل أكثر من ثلاث سنوات تأكيدا لمعنى الإستمرارية في مسيرة الغرفة ورمزا للوفاء والتقدير للرواد الذين سبقوهم . وأنه إذا وجد بعض الحرج في إستلام الجائزة التقديرية التي خطط لها أصالة عن نفسه ، فلا شك إنه سيسعد بإستلامها نيابة عن والده بعد عشر سنوات تقريبا من وفاته 30 ديسمبر 1979 رحمه الله وجزاه عما قدمه لوطنه وأمته . ويرى في هذا الإحتفال رمزا من رموز البلد الحضارية يتجاوز الجوائز نفسها ومن سيستلمها ويعود صاحبنا إلى السؤال الذي طرحه في البداية ويحتار في الإجابة ويستعصى عليه الحكم والتقدير بالنسبة لشخصه على الأقل ويهون على نفسه بأن الطريق والدرب لا زال مفتوحا أمامه لتحقيق ما يطمح له سواء على المستوى المحلي أو بالنسبة للعمل الإقتصادي العربي المشترك إذا أمتد عمره وساعدته صحته بعون منه سبحانه وتعالى ، ويقوم لإستلام الجائزة التكريمية المقدمة من الغرفة من يد صاحب السمو الأمير داعيا الله سبحانه وتعالى أن يحفظه ويهيء له ولكافة المسؤولين والعاملين لأجل خير هذا الوطن سبل الخير والرشاد إلى ما يحبه ويرضاه
|